فصل: فصل في جواز التعريض بالخطبة في عدة الوفاة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.فوائد بلاغية:

قال أبو حيان:
تضمنت هذه الآية ضروبًا من البديع:
منها: الكناية، في قوله: {ولكن لا تواعدوهنّ سرًّا} كنى بالسر عن النكاح، وهي من أبلغ الكنايات. ومنها: التعريض، في قوله: {يعلم ما في أنفسكم} ومنها: التهديد، بقوله: {فاحذروه} ومنها: الزيادة في الوصف، بقوله: {غفور حليم}. اهـ.

.فوائد لغوية وإعرابية:

.قال ابن عادل:

{وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ أَوْ أَكْنَنْتُمْ فِي أَنْفُسِكُمْ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنَّ وَلَكِنْ لَا تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا إِلَّا أَنْ تَقُولُوا قَوْلًا مَعْرُوفًا وَلَا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكَاحِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنْفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ (235)}.
قال القرطبيُّ: لا جناح، أي: لا إِثْمَ والجناحُ: الإثمُ، وهو أصح في الشَّرع.
وقيل: بل هو الأَمر الشاقُّ، وهو أصحُّ في اللغة؛ قال الشَّمَّاخ: الوافر:
إِذَا تَعْلُو بِرَاكِبِهَا خَلِيجًا ** تَذَكَّرُ مَا لَدَيْهِ مِنَ الجُنَاحِ

والتَّعْريضُ في اللغة: ضدُّ التصريح، ومعناه: أن يضمِّن كلامَهُ ما يصلحُ للدَّلالة على مقصُوده، ويصلُحُ للدَّلالة على غير مقصُوده، إلا أن إشعَاره بجانب المقصُود أتَمُّ وأرجحُ.
وأصلُهُ مِنْ عُرض الشيء، وهو جانبُهُ؛ كأنَّه يحوم حولَهُ؛ ولا يظهر، ونظيره أن يقول المُحتاج للمحتاج إليه: جئتُكَ لأُسلمَ عَلَيك، ولأنْظر إلى وجهك الكريم؛ ولذلك قال: الطويل:
............ ** وَحَسْبُكَ بِالتَّسْلِيمِ مِنِّي تَقَاضِيَا

والتعريض قد يُسمَّى تلويحًا؛ لأنَّه يَلُوحُ منه ما يريدُه، والفرقُ بين الكناية والتعريض: أنَّ الكناية ذكرُ الشَّيء بذكر لوازمه؛ كقولك فلانٌ طويلُ النجادِ، كثيرُ الرماد؛ لأنَّ النجاد عبارةٌ عن حَمِيلَةِ السَّيفِ، إذا كانت حميلةُ سيفهِ طويلةً، لزم منه أن يكونَ الرَّجُل طويلًا، وكذلك إذا كان كثير الرمَادِ، لزم منه أن يكون كثير الطَّبخ للأَضياف، وغيرهم، والتعريضُ أنْ يذكر كلامًا يحتمل المقصُود وغيره، إلاَّ أنَّ قرينة الحال تؤكِّد حمله على المقصُود.
وقال الفراء: الخِطْبَةُ مصدرٌ بمعنى الخَطْب، وهي مثل قولك: إِنَّه لَحَسَنُ القِعْدةِ والجِلْسَةِ تريد: القُعُود والجُلُوس والخطبَةُ مصدرٌ في الأصل بمعنى الخَطْبِ، والخَطْب: الحاجة، ثم خُصَّت بالتماس النكاح؛ لأنه بعضُ الحاجات، يقال: ما خَطْبُكَ؟ أي: ما حاجتُك.
وفي اشتقاقه وجهان:
الأول: الأمر والشأن يقال ما خطبُكَ؟ أي: ما شأنُكَ؟ فقولهم: خَطَبَ فلانٌ فُلانَةً، أي: سَأَلَهَا أَمرًا وشأنًا في نفسِها.
والثاني: أصلُ الخِطْبة من الخطابة الَّذي هو الكلامُ، يقال: خَطَبَ المرأة، أي: خاطبها في أمر النِّكاح، والخطب: الأمر العظيم؛ لأنَّه يحتاجُ لخطاب كثيرٍ.
والخطبة بالضَّم، الكلامُ المشتملُ على الوعظِ والزَّجرِ، وكلاهما من الخَطْبِ الذي هو الكلامُ، وكانت سَجاح يُقال لها خِطْبٌ فتقول: نِكْحٌ.
قوله تعالى: {مِنْ خِطْبَةِ النساء} في محلِّ نصبٍ على الحالِ، وفي صاحبها وجهان:
أحدهما: الهاءُ المجرورةُ في بِهِ.
والثاني: مَا المجرورة بفي، والعاملُ على كِلا التقديرين محذوفٌ، وقال أبو البقاء: حالٌ من الهاءِ المجرورةِ، فيكونُ العاملُ فيه {عَرَّضْتُمْ}، ويجوزُ أن يكونَ حالًا من مَا فيكونُ العاملُ فيه الاستقرارَ.
قال شهاب الدين: وهذا على ظاهره ليس بجيِّدٍ؛ لأنَّ العاملَ فيه محذوفٌ؛ على ما تقرَّر، إلا أَنْ يريدَ من حيث المعنى لا الصناعةُ، فقد يجوزُ له ذلك.
والخِطبة بكسر الخاء- فعلُ الخاطِب-: من كلام وقصدٍ، واستلطافٍ، بفعل أَو قولٍ.
يقال: خطبها يخطبها خطبًا، أو خطبةً، ورجل خَطّاب كثيرُ التصرفِ في الخطبةِ، والخطيبُ: الخاطِبُ، والخِطِّيبَى: الخِطْبة، والخطبة فعلهُ: كجلسةٍ، وقعدةٍ، وخُطبة- بضمِّ الخاءِ- هي الكلامُ الذي يقال في النكاح، وغيره.
قال النحاس: والخُطبة ما كان لها أَوَّل وآخر، وكذلك ما كان على فعله، نحو الأَكلة، والضَّغطَة.

.فصل في جواز التعريض بالخطبة في عدة الوفاة:

التعريضُ بالخطبة مباحٌ في عدَّة الوفاة، وهو أَنْ يقول: رُبَّ راغبٍ فيك، ومَنْ يجدُ مثلك، إنَّك لجميلة إنَّك لصالِحَةٌ، إنّك عليّ كريمةٌ، إنِّي فيك لراغِبٌ، وإن مِنْ غرضي أَنْ أَتزوَّج، وإِنْ جمع اللهُ بيني وبينك بالحلالِ أعجبتني، وإِنْ تزوَّجتُك لأُحسن إليك، ونو ذلك من الكلامِ، من غير أَنْ يقول: أَنْحكيني.
والمرأةُ تجيبه بمثله، إِنْ رغبتْ فيه.
وقال إبراهيم: لا بأس أَنْ يُهدي لها ويقوم بشغلها في العدة، إذا كانت غير شابةٍ.
روي أَنَّ سُكَيْنةَ بنت حنظلة؛ بانت من زوجها، فدخل عليها أَبُو جعفرٍ محمَّد بن علي الباقر في عِدّتها، وقال: يا ابنة حنظلة، أنا مَنْ قد عَلِمْت قرابتي مِنْ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم وحقَّ جَدِّي عليِّ، وقدَمي في الإسلام، فقالت له سُكينة: أَتخطبني وأنا في العدَّة، وأَنْتَ يؤخذُ عنك؟ فقال أو قد فعلت؟ إِنَّما أخبرتُك بقرابتي مِنْ رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وقد دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم على أُمِّ سلمة، وهي في عِدَّةٍ من زوجها، أبي سلمة، فذكر لها منزلتهُ مِنَ الله- عز وجلَّ- وهو متحامِلٌ على يده؛ حتَّى أثَّر الحصيرُ في يده من شدَّة تحامله على يده.
قوله تعالى: {أوْ أَكْنَنتُمْ} أَوْ هنا للإباحةِ، أو التخيير، أو التفصيلِ، أو الإِبهامِ على المخاطبِ، وأَكَنَّ في نفسِهِ شيئًا، أي: أَخْفَاهُ، وكَنَّ الشيء بثوبٍ ونحوه: أي سَتَرَهُ به، فالهمزةُ في أَكَنَّ للتفرقة بين الاستعمالَيْنِ كأَشْرَقَتْ وشَرَقَتْ.
وقال الفراءُ: للعرب في أَكْنَنْتُ الشَيْءَ أي: سترتهُ، لغتان: كنَنْتُه، وأَكْنَنْتُه في الكِنِّ، وفي النَّفْس؛ بمعنى، ومنه {مَا تُكِنُّ صُدُورُهُمْ} [القصص: 69]، و{بَيْضٌ مَّكْنُونٌ} [الصافات: 49] وفرَّق قومٌ بينهما، فقالوا: كننتُ الشيء، إذا صُنته حتَّى لا تُصيبه آفةٌ، وإن لم يكن مستُورًا يقال: دُرٌّ مكنونٌ وجاريةٌ مكنونةٌ، وبيضٌ مكنونٌ مصونٌ عن التدحرج؛ وأمَّا أَكْنَنْتُ فمعناه: أضمرت ويستعمل ذلك في الشيء الذي يُخفيه الإنسانُ، ويستره عن غيره، وهو ضِدُّ أَعْلنتُ وأظهرت، ومفعول أكنَّ محذوفٌ يعودُ على ما الموصولة في قوله: {فِيمَا عَرَّضْتُمْ} أي: أو أكْنَنْتُمُوهُ، ف {في أَنْفُسِكُمْ} متعلِّقٌ ب {أَكْنَنتُمْ}، ويضعُفُ جعلُهُ حالًا من المفعولِ المقدَّرِ.
{ولكن لاَّ تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا} وهذا الاستدراك فيه ثلاثةُ أوجهٍ:
أحدها: أنه استدراكٌ من الجملةِ قبله، وهي قوله: {سَتَذْكُرُونَهُنَّ}؛ فإنَّ الذِّكر يقع على أنحاء كثيرةٍ، ووجوهٍ متعددةٍ، فاسْتُدْرِكَ منه وجهُ نُهِيَ فيه عن ذِكْرٍ مخصُوص، ولو لم يُسْتَدْرَكْ، لكانَ من الجائز؛ لاندراجِهِ تحت مطلقِ الذِّكْرِ، وهو نظيرٌ: زَيْدٌ سَيَلْقَى خَالِدًا، ولَكِنْ لاَ يواجهُهُ بِشَرٍّ، لمَّا كانت أَحوالُ اللقاءِ كثيرةً، من جملتها مواجته بالشَّرِّ، استُدْرِكَتْ هذه الحالةُ من بينها.
والثاني:- قاله أبو البقاء-: أنه مستدرَكٌ من قوله: {فِيمَا عَرَّضْتُمْ} وليس بواضحٍ.
والثالث:- قاله الزمخشريٌّ- أنَّ المُسْتَدْرَكَ منه جملةٌ محذوفةٌ قبل لَكِنْ تقديرُهُ: {فَاذْكُرُوهُنَّ وَلَكِنْ لاَ تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا} وقد تقدَّم أنَّ المعنى على الاستدرَاكِ من الجملةِ قبلَه، فلا حاجة إلى حذف؛ وإنما الذي يحتاجُهُ ما بعدَ لَكِنْ وقوعُ ما قبلها من حيث المعنى، لا من حيثُ اللفظُ؛ لأنَّ نَفْيَ المواجهةِ بالشَّرّ يستدعي وقوعَ اللقاءِ.
قوله: {سِرًّا} فيه خمسةُ أوجهٍ:
أحدها: أن يكونَ مفعولًا ثانيًا.
والثاني: أنه حالٌ من فاعلِ {تُوَاعِدُوهُنَّ}، أي: لا تُوَاعِدُوهُنَّ مُسْتَخِفين بذلك.
والثالث: أنه نعت مصدرٍ محذوفٍ، أي: مواعدةً سِرًّا.
والرابع: أنه حالٌ من ذلك المصدر المُعَرَّف، أي: المواعدةَ مستخفيةً.
والخامس: أَنْ ينتصِبَ على الظرف مجازًا، أي: في سِرٍّ.
وعلى الأقوالِ الأربعةِ: فلابد من حذفِ مفعولٍ، تقديرهُ: لا تُوَاعِدُوهُنَّ نِكَاحًا.
والسِّرُّ: ضدُّ الجهرِ: وقيل: يُطْلَقُ على الوَطْءِ، وعلى الزِّننا بخُصُوصيَّةٍ؛ وأنشدوا للحُطَيْئة: الوافر:
وَيَحْرُمُ سِرُّ جَارَتِهِمْ عَلَيْهمْ ** وَيَأْكُلُ جَارُهُمْ أُنُفَ القِصَاعِ

وقول الآخر- هو الأعشى-: الطويل:
وَلاَ تَقْرَبَنَّ جَارَةَ إِنَّ سِرَّهَا ** حَرَامٌ عَلَيْكَ فَانْكِحَنْ أَوْ تَأَبَّدَا

وقال الفرزدق: الطويل:
مَوَانِعُ لِلأَسْرَارِ إِلاَّ مِنَ أهْلِهَا ** وَيُخْلِفْنَ مَا ظَنَّ الغَيُورُ الْمُشَفْشِفُ

أي: الذي شَغفه بهن، يعني: أنهنَّ عفائفُ يمنعن الجماعَ إلاَّ من أَزواجِهِنَّ؛ وقال امرؤ القيس: الطويل:
أَلاَ زَعَمَتْ بَسْبَاسَةُ اليَوْمَ أَنَّني ** كَبِرتُ وَأَلاَّ يُحْسِنُ السَّرَّ أَمْثَالِي

قوله: {إِلاَّ أَن تَقُولُواْ} في هذا الاستثناءِ قولان:
أحدهما: أنه استثناءٌ منقطع؛ لأنه لا يندرج تحت سِرّ على أيِّ تفسيرٍ فَسَّرْتَه به، كأنه قال لكنْ قولُوا قولًا معروفًا.
والثاني: أنه متصلٌ، وفيه تأويلان ذكرهما الزمخشري فإنه قال: فَإِنْ قلتَ: بِمَ يَتَعَلَّقُ حرفُ الاستثناء؟ قلتُ: ب {لاَّ تُوَاعِدُوهُنَّ}، أي: لا تواعِدُوهُنَّ مواعدةً قطٌّ إلا مواعدةً معروفةً غيرَ مُنْكَرَةٍ، أو لاَ تُوَاعِدُوهُنَّ إلا بأَنْ تقولوا، أي: لا تواعِدُوهُنَّ إلاَّ بالتعريضِ، ولا يكونُ استثناءً منقطعًا من سِرًّا؛ لأدائِهِ إلى قولك: {لاَ تُوَاعِدُوهُنَّ إلاَّ التعرِيضَ} انتهى، فجعلَهُ استثناءً متصلًا مُفَرَّغًا على أحدِ تأويلين:
الأول: أنه مستثنىً من المصدرِ؛ ولذلك قدَّره: لا تواعِدُوهُنَّ مواعدةً إلاَّ مواعدةً معروفةً.
والثاني: أنه من مجرور محذوفٍ؛ ولذلك قَدَّره بإِلاَّ بَأَنْ تَقُولُوا؛ لأنَّ التقدير عنده: لا تُوَاعِدُوهُنَّ بشيءٍ، إلا بَأَنْ تقولُوا، ثم أَوْضَحَ قوله بأنْ تَقُولُوا بالتعريض، فلمَّا حُذِفَت الباءُ من أَنْ، وهي باءُ السببيةِ بقي في أَن الخلافُ المشهورُ بعد حذفِ حرفِ الجرِّ، هل هي في محلِّ نصبٍ أم جَرٍّ؟ وقوله: لأدائِهِ إلى قولك... إلى آخره يعني أنه لا يصِحُّ تسلُّط العامِل عليه، فإنَّ القولَ المعروفَ عندَهُ المرادُ به التعريضُ، وأنت لو قلْتَ: لاَ تُوَاعِدُوهُنَّ إِلاَّ التَّعْرِيض ليس مواعدًا.
وردَّ عليه أبو حيان: بأنَّ الاستثناء المنقطع ليس مِنْ شرطِهِ صحَّةُ تسلُّطِ العامِل عليه، بل هو على قسمين: قسم يَصِحُّ فيه ذلك، وفيه لغتان: لغةُ الحجازِ وجوبُ النصب مطلقًا، نحو: مَا جَاءَ أَحَدٌ إِلاَّ حِمَارًا ولغةُ تميم إجراؤه مجرى المتصل، فيجرونَ فيه النصبَ والبدلية بشرطه.
وقِسْم لا يصحُّ فيه ذلك، نحو: مَا زَادَ إِلاَّ مَا نَقَصَ، ومَا نَفَعَ إِلاَّ مَا ضَرَّ، وحكمُ هذا النّصبُ عند العرب قاطبةً، فالقسمان يشتركان في التقديرِ بلَكِنْ عند البصريين، إلاَّ أنَّ أحدهما يصحُّ تسلُّط العامِل عليه في قولك: مَا جَاءَ أَحَدٌ إِلاَّ حِمَار لو قلت: مَا جَاءَ إِلاَّ حِمَارٌ، صَحَّ؛ بخلافِ القسمِ الثاني؛ فإنَّه لا يتوجَّه عليه العامل وقد تقدم البحثُ في مثل هذا كثيرًا.
قوله: {عُقْدَةَ} في نصبه ثلاثة أوجه:
أحدها: أنه مفعولٌ به على أنه ضمَّن عَزَمَ معنى ما يتعدَّى بنفسه، وهو: تَنْوُوا أو تُبَاشِرُوا، ونحو ذلك.
والثاني: أنه منصوبٌ على إسقاط حرف الجر، وهو عَلَى؛ فإنَّ عَزَمَ يتعدَّى بها، قال: الوافر:
عَزَمْتُ عَلَى إقَامةِ ذِي صَبَاحٍ ** لأَمْرٍ مَّا يُسَوَّدُ مَنْ يَسُودُ

وحذفها جائز، كقول عنترة: الكامل:
وَلَقَدْ أَبِيتُ عَلَى الطَّوَى وَأظَلُّهُ ** حَتَّى أَنَالَ بِهِ كَرِيمَ المَطْعِمِ

أي: وَأَظَلُّ عليه.
والثالث: أنه منصوبٌ على المصدر؛ فإنَّ المعنى: ولا تعقدوا عقدة؛ فكأنه مصدرٌ على غير الصَّدر؛ نحو: قعدت جلوسًا، والعقدة مصدرٌ مضاف للمفعول، والفاعل محذوفٌ، أى: عُقْدتكم النِّكاح.
قوله تعالى: {حتى يَبْلُغَ الكتاب أَجَلَهُ} في الكتاب وجهان:
أحدهما: أن المراد به المكتوب، والمعنى: حتى تبلغ العدَّة المفروضة آخرها.
الثانى: أن يكون المراد الكتابَ نفسه، لأنه في معنى الفرض؛ كقوله: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصيام} [البقرة: 183] فيكون المعنى: حتى يبلغ هذا التكليف آخره ونهايته، وقال تعالى: {إِنَّ الصلاة كَانَتْ عَلَى المؤمنين كِتَابًا مَّوْقُوتًا} [النساء: 103] أى: مفروضة.
قال القرطبى: وقيل: في الكلام حذف، أى: حتى يبلغ فرض الكتاب أجله، فالكتاب على هذا المعنى بمعنى القرآن.
ثم قال تعالى: {واعلموا أَنَّ الله يَعْلَمُ مَا في أَنْفُسِكُمْ} وهذا تنبيه على أنّه تعالى لمّا كان عالمًا بالسرّ، والعلانية؛ وجب الحذر منه في السرِّ، والعلانية، فالهاء في {فاحذروه} تعود على الله تعالى، ولابد من حذف مضاف، أى: فاحذروا عقابه.
ويحتمل أن تعود على مَا في قوله: {مَا في أَنْفُسِكُمْ} بمعنى ما في أنفسكم من العزم على ما لا يجوز، قاله الزمخشريُّ.
ثم قال: {واعلموا أَنَّ الله غَفُورٌ حَلِيمٌ} أي: لا يعجِّل بالعقوبة. اهـ. باختصار.